«أفغانستان أصبحت مرتعاً خصباً للإرهاب من جديد».. عندما تقرأ هذا العنوان في صحيفة «واشنطن بوست» فربما تعتقد أن أفغانستان أصبحت فعلاً موطن الإرهاب، ومكاناً تنطلق منه الهجمات الإرهابية فعلاً، أو على الأقل مكاناً يتم فيه تنسيق الهجمات الإرهابية.
وربما يرقى ذلك إلى مرتبة الاتهام لقرار الرئيس جو بايدن بالانسحاب من أفغانستان تماماً كما حذر منتقدوه، فإن تسليم أفغانستان إلى «طالبان» حولها إلى ساحة للإرهابيين المعادين لأميركا. وتعزز هذا الانطباع في وقت مبكر من خلال مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست»، عندما توقع كاتبا المقال دان لاموث وجوبي واريك أن يستغل الحزب الجمهوري الوثائق التي اعتمد عليها مقالهما، والتي نشرت على موقع «ديسكورد ليكس». وقال الكاتبان: «من المؤكد أن يتم استخدام الوثائق كهراوة تخويف من قبل أعضاء الكونغرس الجمهوريين والآخرين الذين مازالوا غاضبين من الطريقة الفوضوية لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في أغسطس 2021».
ولكن في الحقيقة، فإن أفغانستان لم تصبح «موطناً للإرهابيين»، وعلى الرغم من أن حزب الجمهوريين سيستخدم هذه الوثائق كهراوة، إلا أنهم ربما لم يفكروا في القيام بذلك لو أن صحيفة «واشنطن بوست» لم تبالغ في طرح أفكارها في المقال المذكور أكثر مما يحتمل. وفي ما يلي بعض الأشياء التي يمكن تعلُّمها لدى قراءة هذه القصة بانتباه:
أولاً: الإرهابيون المعنيون ليسوا «القاعدة» التي كان تحالفها مع «طالبان» السبب الذي جعل الولايات المتحدة تجتاح أفغانستان من الأساس. وفي الواقع علمنا أن الوثائق لا يأتي فيها أي ذكر لـ«القاعدة» في أفغانستان، وهو أمر خشي العديد من خبراء مكافحة الإرهاب أن يحدث لدى انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.
ثانياً: الإرهابيون المعنيون هم تنظيم داعش، وهم أعداء ألداء لطالبان، وفعلاً وبعد بضعة أيام من نشر هذا المقال، علمنا أن «طالبان» قتلت زعيم «داعش» الذي خطط لتفجير مطار كابول عام 2021، الذي نجم عنه مقتل 13 جندياً أميركياً و170 أفغانياً مدنياً، وهو سبب يدعو إلى الافراج عن الأموال التي تخص الحكومة الأفغانية، والتي جمدتها الولايات المتحدة، خصوصاً أن «طالبان» في حرب متواصلة مع «داعش»، وبعض هذه الأموال ربما يذهب للإسهام في هذه الحرب.
ثالثاً: لا يبدو أن إرهابيي «داعش» العاملين في أفغانستان قد تورطوا بأي حال من الأحوال في أي عمل إرهابي خارج أفغانستان منذ انسحاب الولايات المتحدة من هذا البلد، على الأقل لم يأت ذكر ذلك في أي وثيقة أو صحيفة، وبناء عليه ما الذي تعنيه صحيفة «واشنطن بوست» عندما تقول إن أفغانستان «أرض خصبة للإرهاب»؟ وعلى سبيل المثال، وضع مسلحو «داعش» العديد من المؤامرات الانتقامية رداً على حرق القرآن الكريم من قبل اليمينيين المتطرفين في السويد وهولندا، وتضمنت هذه المؤامرات الدعوات للقيام بهجمات على منشآت دبلوماسية سويدية وهولندية في أذربيجان، وطاجيكستان، وروسيا، وتركيا، ودول أخرى، وفق ما ذكرته الوثائق السابقة على الرغم من أنه لم يتم تنفيذ أي من تلك العمليات السابقة.
ومن غير الواضح ما إذا كان «التقييم» لهذه «المؤامرات» تم من قبل «داعش» في أفغانستان أو آخرين في دول أخرى، وهناك إخفاق متكرر في هذا المقالة في عدم توضيح ما الذي حدث في أفغانستان وما الذي حدث في أماكن أخرى. وتعزى بعض هذه المؤامرات إلى مقاتلي «داعش» خارج أفغانستان، في العراق على سبيل المثال، ولكن في أغلب الأحيان كانت الأمور أكثر ضبابية وغموضاً.
وهذه فقرة من المقالة: «ليس من الواضح مدى التنسيق الأفغاني لأفرع (داعش) مع القيادة المركزية للتنظيم، الذي يُعتقد أن مقره الرئيس في سورية، ولكن الوثائق المسربة تسلط الضوء على أن المكونات في تلك البلدان تخطط للقيام بهجوم على أهداف غربية. وتتحدث أكثر التقارير إثارة للمخاوف عن تفاصيل الجهود التي تبذلها المجموعة لتجنيد خبراء تقنيين على الإنترنت من أجل هجمات إرهابية في الخارج».
فهل حدثت (جهود المجموعة) في سورية أو أفغانستان أو كليهما؟ في كل الأحوال يبدو أن هذه الجهود كما هي الجهود التي تم ذكرها في الوثائق، قد باءت بالفشل. ولكن لماذا؟ ثمة سبب محتمل يتمثل في حقيقة أنه تم اكتشافها قبل تنفيذها من قبل الاستخبارات الأميركية. وقال لاموث وواريك في مقالهما: «تشير الوثائق إلى نجاح المخابرات الأميركية مراراً وتكراراً في اعتراض الاتصالات بين خلايا (داعش). ويبدو أن ذلك ساعد على إفشال خطط (داعش) في الخطف والهجوم بأسلحة خفيفة على المباني الحكومية الأوروبية».
ولذلك ثمة حقيقة يمكن التوصل إليها مفادها أن مقال «واشنطن بوست» كان خاطئاً، فانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان لم يحولها إلى ساحة للإرهابيين المعادين لواشنطن. ويبدو أن مسؤولي إدارة بايدن الذين قالوا إن مشكلة الإرهاب يمكن تدبرها عن طريق العمل الاستخباراتي النشط وجمع المعلومات، وكشف خطط الإرهابيين، كانوا على صواب، أو على الأقل يبدو الأمر كذلك حتى الآن.
مصدر :Emarataylioum