دبي، الإمارات العربية المتحدة — على الحافة الجنوبية للبحر الأسود، رأى مرشد الجبال السويسري تييري غاسر من نافذة الطائرة التي تقلّه إلى بلاده، “الذهب الأبيض” الذي لا يقدّر بثمن: سلسلة جبال تمتد لأميال وقمم شاهقة مغطاة بالثلوج.
كان عائدًا من رحلة تزلّج جبلي (الوصول إلى قمة الجبل بواسطة مروحية والتزلج من فوق) في قيرغيزستان عام 2001، عندما رأى من مقعده في الطائرة جبال القوقاز المألوفة بالنسبة له في الشمال، وسلسلة مثيرة للاهتمام من القمم اللامعة جنوبًا.. سلسلة جبال كاتشكار الواقعة شمال شرق تركيا.
وقال لـCNN: “النظرة الأولى من الطائرة كانت مثالية، فأنت ترى سلسلة جبال ضخمة وقممًا مرتفعة. هذا الأمر دفعنا للذهاب إلى هناك والتحقق من كل وادٍ وكل جبل”.
لقد كان غاسر يبحث بالفعل عن وجهة يؤسّس فيها شركته الخاصة للتزلج الجبلي (بعد سنوات من العمل حول العالم كدليل لمشغلين آخرين). كان لديه ثلاثة معايير فقط: أن يكون موقعها قريبًا من أوروبا لتجنب اضطراب الرحلات الجوية الطويلة، وسلسلة جبال كبيرة شاهقة، وموقع ساحلي مناسب لكميات أكبر من الثلوج وتراكم ثلجي أكثر استقرارًا.
قضى غاسر الكثير من الوقت في توجيه العملاء في منطقة القوقاز الروسية، وكذلك في أوزبكستان، والهند، وكندا، وألاسكا، وفي جميع أنحاء أوروبا. كما أدرج فئة جديدة للتزلج بطائرات الهليكوبتر، على القائمة.
ومن خلال التدقيق في الخرائط، أدرك غاسر وصديقه المرشد الإيطالي دانييلو غارين أن سلسلة جبال كاتشكار التي يبلغ طولها 75 ميلاً (121 كيلومترًا)، بالقرب من حدود تركيا مع جورجيا، تبدو كأنها تستوفي جميع المعايير.
مهمة استطلاع
في صيف عام 2002، أمضى غاسر شهرًا على الأرض في المنطقة، يتنزه في الوديان، ويقيّم المرافق المحلية، ويطير فوق الجبال، أعلاها جبل كاتشكار داغي الذي يفوق ارتفاعه 13 ألف قدم (3962 مترًا).
وقال غاسر الذي يقيم في فيربير السويسرية خلال فصل الشتاء: “شكل الجبال مثالي للتزلج الجبلي. في كل وادٍ، يمكن القيام بأكثر من 50 جولة إذا أردت، وهو قريب جدًا من القاعدة، مدة تقل عن خمس دقائق بالطائرة. وهذا مثالي بالنسبة للضيوف”.
وركز اهتمامه على منتجع آيدر الصغير، وهي قرية تقليدية للمراعي في المرتفعات صيفًا، أسطح منازلها خشبية، وفيها حظائر، وتحيط بها غابات الصنوبر والشلالات.
وتحظى القرية – الواقعة في وادٍ ضيق ومورق يقطعه نهر فيرتينا، بشعبية كبيرة لدى السياح الإقليميين والزوار من الشرق الأوسط صيفًا، لغناها بالينابيع الساخنة، وممارسة أنشطة مثل ركوب الرمث والمشي لمسافات طويلة.
في فصل الشتاء، يمتزج الهواء الرطب الآتي من البحر الأسود مع هواء الجبال البارد لينتج ثلجًا ناعمًا وفيرًا على المرتفعات بين يناير/ كانون الثاني وأبريل/ نيسان.
وقال أوليفر إيفانز، من وكالة Elemental Adventure للتزلج الجبلي ومقرها لندن، التي تنظم رحلات للمجموعات الصغيرة والعملاء من القطاع الخاص إلى أكثر من اثني عشر موقعًا جبليًا غريبًا حول العالم: “إنها عبارة عن تزلج جبلي أسطوري”.
وتابع: “أنت لا تدرك أنه في وسعك ممارسة التزلج الجبلي على الطراز الكندي.. على عتبة أوروبا”.
ونظّم غاسر رحلاته الأولى من آيدر في عام 2005، بطائرة هليكوبتر واحدة مستأجرة من شركة طيران زيرمات في سويسرا.
وقال غاسر: “لقد فتحوا الطريق وفتحوا فندقاً واحداً لنا فقط”.
ورى أنهم كانوا الوحيدون في القرية. لكن الواقع اختلف اليوم حيث “يقصدها الآن الكثير من الناس في عطلة نهاية الأسبوع لرؤية الثلج، أو للعب بالثلج وركوب الزلاجات أو بالأنابيب، أو إشعال النار، أو إقامة حفل شواء على الثلج، مع الغناء والرقص. لكن عندما بدأنا، لم يكن هناك أحد خلال الشتاء”.
التحليق في السماء
أجبرت البيروقراطية غاسر على إغلاق مشروعه بعد بضع سنوات، لكنّه ظلّ حريصًا على العودة وتمكّن من إعادة افتتاحه عام 2018، مع إمكانية الوصول الحصري إلى مساحة تبلغ حوالي 2000 ميل مربع، وهو ما يتناسب مع مساحة كبيرة من جبال الألب الفرنسية و بعض مناطق إيطاليا، ومخصصة لحوالي 20 متزلجًا أسبوعيًا.
في يناير/ كانون الثاني 2023، مع تساقط الثلوج على الأرض في جبال الألب الأوروبية وانخفاض التوقعات، سافر إيفانز إلى إسطنبول ثم قام بقفزة قصيرة إلى مطار ريزي المحلي، الذي يبعد ساعة واحدة فقط بالسيارة عن آيدر، للقيام برحلة لزبائنه. طرابزون هو خيار مطار إقليمي آخر، يبعد ساعتين بالسيارة.
الثلج الناعم
يبلغ متوسّط المدى في آيدر حوالي 900 متر رأسي (حوالي 3000 قدم) ويمكن للعملاء أن يتوقعوا التزلج لحوالي 11-15 جولة في اليوم. تعد الاحترافية والسلامة أمرًا بالغ الأهمية، ويقوم المرشدون بمراقبة مخاطر الانهيارات الجليدية باستمرار.
وقال إيفانز: “هناك مفهوم خاطئ حول التزلج الجبلي يتمثّل بأنّه ممارسة متطرفة للغاية، لكنه ليس دومًا كذلك. أنت لا تقفز من المروحيات، أنت تخرج منها بحذر شديد وببطء”. وتابع: “هناك قول مأثور: “البطيء سريع”، فثمة عدد قليل من النساء يقمن بذلك، لكن ما من سبب لعدم إقبال المزيد منهن لاختبار هذه المغامرة.
يعد التزلج على الجليد في منطقة هاشم أوغلو التي خضعت للتجديد في عام 2016، يمكن للضيوف الاسترخاء في الحمامات الساخنة التي تغذيها الينابيع واحتساء القهوة التركية، أو المشروبات من الحانة، أو لعب كرة الطاولة، أو زيارة المدلكين في الموقع.
ويقدم العشاء على طراز البوفيه مع الكثير من السلطات، والحمص، والبيتا، والفلافل، والكفتة، والباذنجان، والطماطم، واللحوم المشوية. ويشمل المطبخ المحلي طبق همسي كوسو وقوامه أنشوجة البحر الأسود، أو الموهلاما، المصنوع من دقيق الذرة والزبدة والجبن.
ويدير غاسر مجموعة من المرشدين من جميع أنحاء العالم: سويسرا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، والنمسا، والسويد، ونيوزيلندا، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية. مع الموظفين الأتراك المحليين، ويؤلفون مزيجًا عالميًا.
ويقول: “الشعب التركي لطيف جدًا، ومضياف، ومنفتح للغاية، ويساعدنا كثيرًا، وإنه لمن دواعي سروري العمل معهم”.
في أيام الطقس السيئة، تشمل الأنشطة البديلة التزلج على الجليد أو التزلج بأحذية الثلج، أو القيام بجولة تزلج. يمكن للضيوف زيارة مزارع الشاي وصانعي العسل، ومراكز الحرف اليدوية، أو الاسترخاء في المطاعم المحلية.
هناك تقدم ملموس في آيدر، وتستكشف الحكومة التركية مشاريع لتطوير منتجع مناسب مزود بمصاعد التزلج. حتى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي ينحدر من ريزي، زار المنطقة عام 2020 للترويج للسياحة الشتوية.
ويمكن أن تظهر جبال كاتشكار قريبًا على خريطة التزلج العالمية، وليس فقط للتزلج الجبلي.
وخلص غاسر: “سنكون سعداء للغاية إذا أصبح هناك منتجع للتزلج في آيدر ذات يوم”.
المصدر: سي إن إن