تستعد تركيا والاتحاد الأوروبي لمرحلة من المحادثات الجديدة خلال الفترة المقبلة، بناء على صفحة من التطورات المحلية والدولية، أجبرت الطرفين على التقارب مجدداً، خصوصاً الحرب الروسية في أوكرانيا وملف انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو). وعلى الرغم من عدم تحديد مواعيد دقيقة للحوارات، إلا أنها من المرجح أن تصطدم بخطوط حمراء قد تؤدي إلى عرقلتها.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فاجأ حلفاءه في حلف الناتو، في شهر يوليو/تموز الماضي، بربط موافقة أنقرة على انضمام السويد إلى الحلف بشروط جديدة، منها إعادة إحياء مسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفتح فصول جديدة في المفاوضات، وتحديث الاتفاق الجمركي، فضلاً عن مسألة رفع تأشيرات الدخول الأوروبية عن المواطنين الأتراك.
قمة الحلف خرجت بموافقة تركيا على إحالة ملف انضمام السويد إلى البرلمان، وجعلت هذه المرحلة مرنة تمتد ربما لأشهر، في اختبار للنوايا في تنفيذ المطالب التركية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وفق المنظور التركي، وأيضاً لإحراز تقدم في ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فتوجهت الأنظار إلى مواعيد لاحقة، فيما تصدر تصريحات تركية تؤكد وجود خطوط حمراء في المحادثات مع أوروبا.
خريطة طريق تجارية
وقبل أيام، اتفقت تركيا والاتحاد الأوروبي على خريطة طريق مشتركة لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية خلال الفترة المقبلة، بحسب بيان صادر عن وزارة التجارة التركية، جاء فيه أن الوزير عمر بولات أجرى اتصالاً مرئياً مع نائب رئيس المفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس، لمناقشة فرص التعاون وتطوير العلاقات التجارية بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
أبرز الملفات الخلافية ملف اللاجئين والتوترات في بحر إيجة وأزمة قبرص
وعبّر الجانبان عن رضاهما لبلوغ حجم تبادلهما التجاري 200 مليار دولار خلال العام الماضي، مؤكدين أهمية تعزيز العلاقات التجارية للوصول إلى مستوى أفضل. وأشار بولات إلى أنه من المتوقع أن تبدأ مفاوضات تحديث الاتحاد الجمركي من أجل تحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. وذكر البيان أن الطرفين اتفقا على خريطة طريق لتعزيز الحوار التجاري قبيل البدء بالمفاوضات الخاصة بتحديث الاتحاد الجمركي.
وفي سياق المفاوضات، نقلت وكالة “إخلاص” التركية الخاصة عن مسؤول أوروبي رفيع، لم تذكر اسمه، قوله إن “دول الاتحاد الأوروبي ستناقش مسألة رفع تأشيرات السفر عن المواطنين الأتراك في الخريف المقبل، وإن تركيا دولة مرشحة لأن تكون شريكة استراتيجية في مجالات عدة”.
وأكد المسؤول أن “المجلس الأوروبي، وعقب الانتخابات التركية (الرئاسية والتشريعية في مايو/أيار الماضي)، طلب إعداد تقرير شامل عن العلاقات الأوروبية التركية والخيارات المتاحة وآفاق العلاقة، وسيجرى نقاشه الخريف المقبل، خصوصاً أن وزراء خارجية دول الاتحاد تحدثوا في يوليو الماضي، وتوافقوا على إعادة بناء العلاقات مع تركيا وإعادة بناء الجسور فوق الفروقات التي حصلت بين الجانبين”، مشدداً على “أهمية مراعاة أنقرة لملف حقوق الإنسان لأهميته بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي”.
ولعل أبرز الملفات الخلافية هو ملف اللاجئين، والتوترات في بحر إيجة بين تركيا واليونان، وكذلك النشاطات التركية شرق المتوسط، فضلاً عن الموقف التركي من حلّ أزمة قبرص، وملفات تتعلق بحقوق الإنسان، واسترداد مطلوبين لتركيا، وتحقيق معايير أوروبية محددة. ولكن البارز أن تركيا لن تتراجع عن مسألة قبرص وشرق المتوسط والموقف من بحر إيجة وفق تصريحات مسؤوليها.
نقاط قوة لتركيا والاتحاد
ولدى تركيا نقاط قوة تتمثل بعلاقاتها مع روسيا وأوكرانيا ودورها في معبر الحبوب، فضلاً عن تصاعد قوتها السياسية والعسكرية، واتفاقية إعادة القبول حول اللاجئين، وموقف تركيا من انضمام السويد إلى حلف الأطلسي، فيما يدرك الاتحاد الأوروبي حاجة تركيا للاتحاد في كثير من الملفات بظل التطورات الاقتصادية والسياسية. ويعتبر ملف حقوق الإنسان من أقوى أوراق الاتحاد الأوروبي.
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وصف قبل أيام عرقلة عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي تجرى فيه مناقشة عضوية دول البلقان وحتى مولدوفا وأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وحلف “ناتو”، بـ”العمى الاستراتيجي”. وقال فيدان: “في الفترة الجديدة، من المهم مقاربة العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي عبر منظور ذي رؤية وإحياء العملية من منظور العضوية الكاملة”.
وأضاف وزير الخارجية التركي، في كلمة أمام مؤتمر السفراء الأتراك، أن بلاده “ستواصل حماية حقوقها في بحر إيجة وشرق الفرات، وستعمل على علاقات جيدة إيجابية مع اليونان”. وأعرب عن أمل أنقرة “في أن تنتهج اليونان نفس المقاربة في ما يتعلق ببحر إيجة”.
إلياس كلج أصلان: حقوق الإنسان وحرية التعبير مجالات تحتاج فيها تركيا إلى إحراز تقدم
كلام فيدان وقبله مواقف الرئيس أردوغان السابقة دفعت الإعلام اليوناني للحديث عن 3 خطوط حمراء لأردوغان وفق صحيفة “إيتنوس”، وهي: “مسألة شرق الفرات، وبحر إيجة، ومسألة قبرص التي لا تراجع فيها”.
الصحافي والكاتب إلياس كلج أصلان تحدث لـ”العربي الجديد” عن مفاوضات تركيا والاتحاد الأوروبي المرتقبة ونقاط قوة وضعف كل طرف والخطوط الحمراء، موضحاً أن “من بين الخطوط الحمراء لحوار تركيا مع الاتحاد الأوروبي تبرز قضية قبرص وحقوق الإنسان وحرية التعبير ومكافحة الإرهاب، إذ تحتل قضية قبرص مكانة مهمة في المفاوضات بسبب جهود تركيا لحماية حقوق الأتراك هناك”.
وحول ذلك، أوضح أصلان أن “حقوق الإنسان وحرية التعبير هي أيضاً مجالات تحتاج فيها تركيا إلى إحراز تقدم في عملية التنسيق مع الاتحاد الأوروبي، كما تطالب أنقرة بالدعم المفتوح من الاتحاد في حربها ضد المنظمات الإرهابية، وأن يكون ثابتاً في تعريفه للإرهاب”.
ولفت الصحافي والكاتب إلى أن “عوامل مثل موقع تركيا الاستراتيجي بين قارتي أوروبا وآسيا، والاتحاد الجمركي، واتفاقية اللاجئين، وعضوية ناتو، هي من بين الأوراق الرابحة بين يدي أنقرة”، مشيراً إلى أن “الموقع الجغرافي لتركيا يجعل الاتحاد الأوروبي يراها قوةً إقليميةً، والاتحاد الجمركي هو اتفاقية تسمح لتركيا بالتجارة مع الاتحاد الأوروبي، ولكنها مطروحة على جدول الأعمال ليجرى تحديثها”.
ورأى أن “اتفاقية اللاجئين تساعد في السيطرة على تدفق اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، إذ تعد عضوية ناتو ورقة رابحة مهمة أخرى لاستمرار التعاون مع الغرب، لأنها مؤشر إلى علاقات تركيا الاستراتيجية مع الغرب”.
وبحسب أصلان، “على جبهة الاتحاد الأوروبي يمكن إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير من قبل تركيا”، لكنه لفت إلى أن “قضية قبرص والتوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط قد تشكل عقبة في المفاوضات”. وأوضح أن “قضية قبرص تحتل مكانة مهمة في المفاوضات لأنها نزاع مستمر بين قبرص، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، وتركيا، من ناحية أخرى، قد تؤدي التوترات في شرق البحر الأبيض المتوسط إلى صعوبات في المفاوضات لأن تركيا لديها وجهات نظر مختلفة مع الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بحقوقها في الموارد الطبيعية في المنطقة”.
وختم أصلان بالقول إنه “بينما توفر تركيا السفر من دون تأشيرة لمواطني الاتحاد الأوروبي، لا يزال المواطنون الأتراك غير قادرين على السفر إلى منطقة شنغن من دون تأشيرة”. بالإضافة إلى ذلك، وفق الكاتب والصحافي، فإن “الطلبات الأخيرة من دول الاتحاد الأوروبي لجعل التأشيرة صعبة على المواطنين الأتراك أمر يلفت انتباه أنقرة بشكل واضح”.
طه عودة أوغلو: الأسابيع والأشهر المقبلة حاسمة لإعادة صياغة للعلاقة التركية الأوروبية
ولذلك، أكد أصلان أنه “من المتوقع أن تجرى مناقشة قضايا تحرير التأشيرات وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي كأولوية في المحادثات، ومن المرجح أيضاً أن يطالب الاتحاد الأوروبي تركيا بإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير”. واعتبر أن قضية قبرص والتوترات في شرق البحر المتوسط “قد تكون من بين المواضيع التي يمكن تأجيلها خلال المحادثات، ولا يُتوقع معالجة قضايا أخرى من دون إحراز تقدم في هذه القضايا.
استمرار للشروط الأوروبية
من جهته، قال الكاتب والباحث في الشؤون التركية طه عودة أوغلو، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “هناك تطورات على صعيد المفاوضات المقبلة بين تركيا والاتحاد الأوروبي”، معرباً عن اعتقاده أن “هذه الخطوات بدأت منذ حديث أردوغان عن العضوية الشهر الماضي، أثناء تطرقه إلى عضوية السويد في ناتو، وحتى اللحظة، العضوية معلقة ومرتبطة بعضها ببعض”.
ولفت عودة أوغلو إلى أن “هناك بعض الفرص المتعلقة بموضوع عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي والمفاوضات، ساهمت في تقريب وجهات النظر، منها موافقة تركيا على انضمام السويد إلى حلف ناتو، إذ قرّبت بين الأتراك والأوروبيين من جهة، كما أن الدور التركي في ملف أوكرانيا ساهم في تنامي دور أنقرة في المنطقة والدول الأوروبية”.
وبيّن الكاتب والباحث أن “الغرب يحاول أيضاً في الفترة الأخيرة استثمار الخلاف بين تركيا وروسيا بعد زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي إلى تركيا أخيراً”. لكنه أكد “وجود تحديات أمام تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”، معتبراً أن هناك “استمراراً للشروط الأوروبية في ما يتعلق بالحريات وقبرص، وكلها شروط تطالب أوروبا بها وتركز عليها وتضعها أساسيات لقبول أنقرة، وهناك العلاقة والتقارب التركي مع دول الشرق التي تحدث فجوة بين الطرفين”.
على الجانب الآخر، لفت عودة أوغلو إلى أنه “يمكن الحديث عن إمكانية حصول الاتحاد الجمركي في الأيام المقبلة، بعد تصريحات وزير التجارة التركي عمر بولات أخيراً بأن هناك محادثات جرت وهناك تقدماً في هذا الملف وفي ما يتعلق بالعلاقة التجارية”، متوقعاً أن “العقبات الرئيسية القديمة الجديدة تقف أمام أنقرة لانضمامها إلى الاتحاد”.
وتابع: “صحيح أن هناك أوراقاً رابحة لدى الرئيس أردوغان، وأهمها مسألة السويد ودور تركيا في أزمة أوكرانيا، ولكن مسألة قبرص وتوسع ناتو هي تحديات ستواجه تركيا”، معتبراً أن “الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حاسمة بين الطرفين، خصوصاً في ما يتعلق بإعادة صياغة للعلاقة التركية الأوروبية، وهو ما تحدث عنه الرئيس أردوغان حين ربط عضوية السويد في ناتو بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”.