بعد مرور أكثر من عام على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، لا يزال البلد الفقير يعاني من عدة أزمات على الصعيد الإنساني والاقتصادي، خاصة مع حدوث عدة كوارث في البلاد، وتفاقم الأزمات الإنسانية.
وفاقمت الكوارث الطبيعية الأوضاع الإنسانية في أفغانستان، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب مدناً أفغانية، في يونيو الماضي، الذي أدى إلى مقتل 1500 شخص على الأقل، فضلاً عن أكثر من 200 مصاب، ومئات المفقودين، ما أظهر الحاجة الماسة لدعم أفغانستان خاصة من الولايات المتحدة.
ويعيش ما بين 95% إلى 97% من سكان أفغانستان تحت خط الفقر، وهو ما يتطلب دعم البلاد والإفراج عن أموالها المجمدة لدى أمريكا.
وأمام تلك الأزمات عادت واشنطن للتحرك من أجل أفغانستان، حيث بدأ الممثل الأمريكي الخاص لشؤون أفغانستان توماس ويست، زيارة تشمل قطر والإمارات وتركيا لبحث الأزمة في كابل.
وتمتد زيارة ويست من الأربعاء 12 أبريل الجاري حتى 18 أبريل، حيث سيلتقي في الدوحة بالمسؤولين القطريين وقادة المجتمع المدني الأفغاني والبعثات الشريكة، وفقاً للخارجية الأمريكية.
وفي الإمارات سيجتمع المسؤول الأمريكي مع الأطراف الإماراتية ورجال الأعمال الأفغان وقادة الفكر، كما ستجري في تركيا مشاورات مع القادة السياسيين الأفغان والصحفيين والمهنيين الإنسانيين ونشطاء حقوق الإنسان، حسب البيان نفسه.
وتسعى الولايات المتحدة لإيجاد حلول للأزمات في أفغانستان، خاصة التي تفاقمت بالفترة الأخيرة، والتي منها في قطاع التعليم، وتراجع الاقتصاد، وارتفاع معدلات الفقر في البلاد.
احتياجات إنسانية
تؤكد الأمم المتحدة أن الاحتياجات الإنسانية في أفغانستان شديدة، خاصة في 30 من بين 34 مقاطعة على الأقل، وليس فقط بالنسبة إلى الغذاء والخدمات الصحية، ولكن أيضاً من حيث جودة المياه بعد عامين متتالين من الجفاف.
وبينت الأمم المتحدة، في تقرير لها نشرته في نوفمبر الماضي، أن أفغانستان شهدت انخفاضاً في الدخل والإنتاج بنسبة 20%، وانخفاضاً بنسبة 65% في الإنفاق العام للدولة، وانخفاضاً بنسبة 50% في التحويلات المالية للعائلات.
وارتفعت تكلفة سلة الضروريات في أفغانستان بنسبة 30%، مما يجبر الأسر الريفية على الغرق في الديون، وبيع الأصول للبقاء على قيد الحياة، أو اللجوء إلى استراتيجيات التكيف السلبية، وفقاً للأمم المتحدة.
وتفتقر حركة طالبان التي تسيطر على أفغانستان إلى الموارد المطلوبة لمعالجة الاحتياجات الملحة للسكان وتقديم المساعدات المتعددة، ويظل التمويل الدولي عنصراً مهماً للحفاظ على تقديم الخدمات المهمة، وخاصة الخدمات الصحية.
الدور القطري
تؤدي قطر دوراً بارزاً في الشأن الأفغاني، وترعى منذ 10 سنوات مفاوضات بين الفرقاء الأفغان من جهة، والجهات الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة من جهةٍ أخرى.
وقبل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، كان لقطر دور الوسيط في مفاوضات واشنطن وطالبان، التي أسفرت عن توقيع اتفاق تاريخي، أواخر فبراير 2020، ينص على انسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل الأسرى.
وبعد سيطرة طالبان على أفغانستان، في أغسطس 2021، عقب انسحاب واشنطن، أكدت دولة قطر أنها تسعى بكل جهودها لحصول “انتقال سلمي للسلطة في أفغانستان، والتمهيد لحل سياسي شامل”.
وشكّل الاتفاق الذي رعته قطر نقطة تحوُّل وأملاً جديداً للأفغان بإنهاء الحرب، والعيش بسلام، والانفتاح الاقتصادي لبلادهم، وإعادة إعمارها من جديد، والوصول إلى حل سياسي داخلي بين الأطراف الأفغانية، وتشكيل حكومة تضم جميع مكونات البلاد.
ولم تكتفِ قطر بحل الأزمة السياسية في قطر، ورعاية الاتفاق مع الولايات المتحدة، فقدمت دعماً مالياً لأفغانستان بعد الزلزال الأخير، إضافة إلى توقيعها، في مارس الماضي، مذكرة تفاهم مع وزارة التربية والتعليم الأفغانية بشأن التزامات جديدة لدعم مشروع تعليم الأطفال خارج المدرسة في أفغانستان.
ويهدف المشروع إلى إلحاق 30 ألف طالب وطالبة، منهم 50٪ من الفتيات، لاستكمال تعليمهم الابتدائي في عدة مقاطعات أفغانية.
وبسبب تلك الجهود التي قامت بها قطر تلجأ الولايات المتحدة بشكل مستمر إلى الدوحة لحل الأزمة المتواصلة في أفغانستان.
وإلى جانب قطر، ساهمت الإمارات بتقديم عدة مساعدات للأفغانستان، بهدف مساعدتها على الخروج من الأزمات التي تعيشها، خاصة الزلزال الأخير، وتشغيل بعض مطاراتها.
من جانبها كثفت الإمارات دعهما الإنساني لأفغانستان، خلال عامي 2021 – 2022، وشملت تدشين جسر جوي إغاثي لتلبية الاحتياجات المتزايدة؛ عبر إرسال 28 طائرة تحمل 623 طناً من الإمدادات الطبية والغذائية، استفاد منها نحو 1.1 مليون شخص، منهم 850 ألف من النساء والأطفال.
الكاتب المحلل السياسي بشير الأفغاني، يؤكد أن “لجوء الولايات المتحدة إلى قطر لبحث قضايا أفغانستان يأتي من تقدير واشنطن الدور الكبير للدوحة بحكم علاقاتها القوية مع حركة طالبان، والدور الذي أدته خلال المفاوضات بين الحركة وأمريكا”.
ويقول الأفغاني في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “حركة طالبان تثق بدولة قطر، خاصة أنها كانت وسيطاً نزيهاً خلال المفاوضات مع الولايات المتحدة، إضافة إلى دورها في الوقوف إلى جانب أفغانستان خلال الزلزال الأخير، وإرسالها مساعدات”.
ويوضح أن “أهم القضايا التي سيتم الحديث عنها مع زيارة المسؤول الأمريكي لقطر حول أفغانستان، هي الأموال الأفغانية المجمدة لدى الولايات المتحدة”.
ويبين أنه إلى جانب قطر “للإمارات وتركيا دور في أفغانستان أيضاً، حيث للبلدين علاقات جيدة مع حركة طالبان، خاصة أبوظبي، التي سبق أن وقعت اتفاقيات لتشغيل عدد من المطارات الأفغانية”.
الأموال المجمدة
تقدَّر أموال البنك المركزي بأفغانستان المجمدة في الخارج بأكثر من 9 مليارات دولار، 7 مليارات منها في الولايات المتحدة، ويتوزع الباقي على دول أخرى كبريطانيا وألمانيا وسويسرا ودولة الإمارات، وفقاً لبيانات لصندوق النقد الدولي.
وبدأت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في أغسطس الماضي، بإجراء محادثات مع حركة “طالبان” بشأن الإفراج عن الأموال الأفغانية المجمدة.
وسبق أن نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في أغسطس الماضي، عن مسؤولين أمريكيين، قولهم إن إدارة بايدن قررت عدم الإفراج عن قرابة 7 مليارات دولار من الأصول الخارجية التي يحتفظ بها البنك المركزي الأفغاني على الأراضي الأمريكية.
وحسب الصحيفة، فإن قرار تعليق تقديم الأصول “يعكس أنه لا توجد أية مؤشرات تقدم في المحادثات بين واشنطن وحركة طالبان، وهو ما يمثل ضربة لآمال الإنعاش الاقتصادي في أفغانستان، حيث يواجه ملايين الأشخاص المجاعة بعد عام من حكم الجماعة لهذا البلد”.
ولقطر دور في قضية الأموال المجمدة، حيث استضافت الدوحة، أواخر يونيو الماضي، مباحثات أمريكية مع حركة طالبان حول تحرير الأموال الأفغانية المجمدة في الخارج، وبناء الثقة الدولية في البنك المركزي الأفغاني.
وأشارت الخارجية الأمريكية حينها إلى أن المباحثات مع الوفد الأفغاني ناقشت بالتفصيل الإجراءات الأمريكية للحفاظ على 3.5 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي الأفغاني لصالح الشعب الأفغاني.