تقوم إستراتيجية بايدن تجاه الشرق الأوسط على بناء الشراكات والائتلافات والتحالفات لتعزيز الردع، مع استخدام الدبلوماسية لتهدئة التوترات، وتقليل مخاطر نشوب صراعات جديدة
لم تنجح الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط إلا في تنفيذ مخططاتها التدميرية لدوله ومقدراته، وفي دعم دولة الكيان الصهيوني، وتعزيز ترسانتها العسكرية، وهيمنتها على المنطقة. مع تأكيد دعمها الدائم والمطلق لها كدولة يهودية خالصة، لذلك لا عجب أن تكون إستراتيجية بايدن محبطة تمامًا للجماهير العربية التي دغدغت مشاعرها عبارات الرئيس العجوز وهو يتغنى بالحديث عن الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان ومحاربة الشمولية والاستبداد و(النظام الدولي القائم على القواعد)!!
ولنفهم أكثر ثبات الموقف الأميركي تجاه الشرق الأوسط، والوقوف على حقيقة تعامله مع دوله، نستعرض فيما يأتي رؤية إستراتيجية الرئيس بايدن، التي تمثل الديمقراطيين، ورؤية سلفه الرئيس ترامب، التي تمثل الجمهوريين، تجاه الشرق الأوسط، ونترك لكم المقارنة.
رؤية بايدن للشرق الأوسط
جاءت إستراتيجية بايدن تجاه الشرق الأوسط، في أقل من ٩٠٠كلمة، وتتلخص في تخفيض التصعيد وتحقيق التكامل، فالشرق الأوسط الأكثر تكاملاً، الذي يمكّن لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها، من شأنه أن يعزز السلام والازدهار الإقليميين، ويقلل المتطلبات التي تفرضها المنطقة على الولايات المتحدة على المدى الطويل.
وضمن هذه الرؤية وضعت الإستراتيجية إطارًا جديدًا لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يقوم على بناء الشراكات والائتلافات والتحالفات لتعزيز الردع، مع استخدام الدبلوماسية لتهدئة التوترات وتقليل مخاطر نشوب صراعات جديدة، ووضع أساس طويل الأمد للاستقرار، وقد حددت لهذا الإطار المبادئ الخمسة التالية:
المبدأ الأول
دعم وتعزيز الشراكات مع الدول التي تشترك في النظام الدولي القائم على القواعد، والتأكد من أنها قادرة على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية.
المبدأ الثاني
عدم السماح للقوى الأجنبية أو الإقليمية بتعريض حرية الملاحة عبر الممرات المائية في الشرق الأوسط للخطر، بما في ذلك مضيق هرمز وباب المندب.
المبدأ الثالث
مع قيام الولايات المتحدة بالعمل على ردع التهديدات التي يتعرض لها الاستقرار الإقليمي، فإنها ستعمل على تقليل التوترات، وخفض التصعيد، وإنهاء النزاعات، حيثما أمكن ذلك من خلال الطرق الدبلوماسية.
المبدأ الرابع
تعزيز التكامل الإقليمي من خلال بناء روابط سياسية واقتصادية وأمنية بين شركاء الولايات المتحدة، بما في ذلك من خلال هياكل دفاع جوي وبحري متكاملة، مع احترام سيادة كل دولة وخياراتها المستقلة.
المبدأ الخامس
العمل دائمًا على تعزيز حقوق الإنسان والقيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
وأكدت الإستراتيجية على أن هذا الإطار الجديد يعتمد على وضع عسكري مستدام وفعال، يركز على الردع، وتعزيز قدرة الشركاء، وتعزيز التكامل الأمني الإقليمي، ومكافحة التهديدات الإرهابية، وضمان التدفق الحر للتجارة العالمية.
وشددت الإستراتيجية على أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط لتعزيز قدراتهم لردع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار والتصدي لها، ومواصلة الدبلوماسية لضمان عدم تمكن إيران من الحصول على سلاح نووي، مع الاستعداد لاستخدام وسائل أخرى إذا فشلت الدبلوماسية.
وأشارت الإستراتيجية إلى أن إدارة بايدن ستجمع بين الدبلوماسية والمساعدات الاقتصادية والمساعدة الأمنية للشركاء المحليين لتخفيف المعاناة، وتقليل عدم الاستقرار، ومنع تصدير الإرهاب، أو الهجرة الجماعية من اليمن وسوريا وليبيا، والعمل مع الحكومات الإقليمية لإدارة تأثير هذه الرؤية بصورة أوسع.
شددت إستراتيجية بايدن على أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط، لتعزيز قدرتهم على ردع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، والتصدي لها، ومواصلة الدبلوماسية لضمان عدم تمكن إيران من الحصول على سلاح نووي
وفي إشارة خاطفة ومقتضبة إلى القضية الفلسطينية و(اتفاقيات أبراهام)، ذكرت الإستراتيجية أنها ستسعى إلى توسيع وتعميق علاقات (إسرائيل) المتنامية مع جيرانها والدول العربية الأخرى، من خلال (اتفاقيات أبراهام)، مع التزام الولايات المتحدة الصارم بأمن (إسرائيل)، وستستمر في الترويج لحل الدولتين القابل للحياة والذي يحافظ على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، بينما يلبي تطلعات الفلسطينيين إلى دولة آمنة وقابلة للحياة خاصة بهم.
وضمن هذه الرؤية، ستعمل إدارة بايدن، على تشجيع الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تساعد على إطلاق إمكانات المنطقة، من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي لدفع النمو وخلق فرص العمل، وتشجيع منتجي الطاقة على استخدام مواردهم لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية، مع الاستعداد لمستقبل الطاقة النظيفة وحماية المستهلكين الأميركيين.
ولم تنسَ الإستراتيجية الإشارة إلى أن إدارة بايدن ستواصل دعم شركائها الديمقراطيين، والمطالبة بالمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان. وفي محاولة لتبرير فشلها المقبل في هذا الشأن، كما فشلت الإدارات السابقة، تعترف الإستراتيجية بأن الإصلاح الحقيقي في دول المنطقة لا يمكن أن يأتي إلا من الداخل.
إستراتيجية ترامب للشرق الأوسط
جاءت رؤية إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حول الشرق الأوسط في أقل من ٧٠٠ كلمة، ضمن إستراتيجية الأمن القومي التي قدّمها في ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٧، لم تختلف كثيرًا عن رؤية إدارة الرئيس بايدن، حيث ركّزت على محاربة الإرهاب، وتحقيق التكامل بين دول المنطقة لمواجهة التهديد الإيراني.
شددت إستراتيجية ترامب على أن الولايات المتحدة لن تسمح بأن يكون الشرق الأوسط ملاذًا آمنًا أو أرضًا خصبة للإرهابيين “الجهاديين”، ولا أن تهيمن عليه أي قوة معادية للولايات المتحدة.
إستراتيجية ترامب أشارت إلى المشكلات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط على مدى السنوات السابقة، والمتمثلة في التوسع الإيراني، وانهيار الدولة، والأيديولوجية الجهادية، والركود الاجتماعي والاقتصادي، والمنافسات الإقليمية، والمنظمات الإرهابية.
وأوضحت أن إيران، التي وصفتها بأنها الدولة الراعية للإرهاب في العالم، استغلت عدم الاستقرار الذي تعاني منه المنطقة لتوسيع نفوذها من خلال الشركاء والوكلاء، ونشر الأسلحة، والتمويل، مما يوسّع من دائرة العنف في المنطقة، ويتسبب في أضرار جسيمة للسكان المدنيين.
بحسب الإستراتيجية، فإن إيران هي السبب في زعزعة استقرار المنطقة، ومنع إحلال السلام والازدهار فيها، وليس الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وإن إسرائيل ليست هي سبب المشاكل التي تعاني منها المنطقة، فقد وجدت الدول العربية بشكل متزايد مصالح مشتركة مع إسرائيل في مواجهة التهديدات المشتركة، وعلى رأسها التهديدات الإيرانية.
وترى إستراتيجية ترامب، أن هذه التحديات، لا تمنع وجود فرص لتعزيز المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، حيث يعمل بعض الشركاء معًا على محاربة الأيديولوجيات الراديكالية، ونبذ “التطرف الإسلامي” والعنف.
وترى الولايات المتحدة أن لديها فرصة لإيجاد تعاون اقتصادي وسياسي كبير، مع الذين يريدون الشراكة معها، من الدول ذات العقلية الإصلاحية. وعن طريق تشجيع التعاون بين الشركاء في المنطقة، يمكن للولايات المتحدة تعزيز الاستقرار وتوازن القوى الذي يخدم المصالح الأميركية.
حددت إستراتيجية ترامب الإجراءات ذات الأولوية تجاه الشرق الأوسط، في المجالات الأربعة التالية:
أولاً: المجال السياسي
١. تعزيز الشراكات القائمة وبناء شراكات جديدة للمساعدة في تعزيز الأمن والاستقرار
٢. تشجيع الإصلاحات التدريجية
٣. دعم الجهود المبذولة في مواجهة الأيديولوجيات العنيفة
٤. دعم الجهود المبذولة لزيادة احترام كرامة الأفراد
٥. العمل مع مجلس التعاون الخليجي القوي المتكامل، على تحقيق منطقة مستقرة ومزدهرة. وتعزيز شراكة إستراتيجية طويلة الأمد مع العراق كدولة مستقلة.
٦. السعي إلى تسوية الحرب الأهلية السورية، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين
٧. العمل مع الشركاء على حرمان إيران من امتلاك سلاح نووي، وتحييد نفوذها
٨. الالتزام بالمساعدة في عقد اتفاق سلام شامل مقبول من الإسرائيليين والفلسطينيين
ثانياً: المجال الاقتصادي
١. ستدعم الولايات المتحدة الإصلاحات الجارية في دول المنطقة، لمعالجة أوجه عدم المساواة الأساسية التي يستغلها الإرهابيون الجهاديون.
٢. تشجيع دول المنطقة، بما فيها مصر والسعودية، على مواصلة تحديث اقتصاداتها
٣. دعم الإصلاحيين، وإعلاء فوائد الأسواق والمجتمعات المفتوحة
ثالثاً: المجال العسكري والأمني
١. الاحتفاظ بالوجود العسكري الأميركي في المنطقة، اللازم لحماية الولايات المتحدة وحلفائها من الهجمات الإرهابية, والحفاظ على توازن قوى إقليمي ملائم.
٢. مساعدة الشركاء الإقليميين في تعزيز مؤسساتهم وقدراتهم
٣. القيام بجهود مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد
٤. مساعدة الشركاء على شراء دفاع صاروخي قابل للتشغيل المتبادل، وقدرات أخرى للدفاع بشكل أفضل، ضد التهديدات الصاروخية النشطة.
٥. العمل مع شركاء على تحييد أنشطة إيران في المنطقة
(… يتبع)